ينظر أغلب الناس إلى الغيرة على أنها إحدى المشاعر السامة التي تضرب في كيان العلاقات، مثل الغضب، والشك وغيرهما، إلّا أن ما لا يعرفه هؤلاء أن مشاعر الغيرة أمر طبيعي جداً في العلاقات الإنسانية، بل ويمكن أن تكون ظاهرة صحية ومفيدة إن تمّ التعامل معها وإدارتها بشكل صحيح، فكيف يكون ذلك؟


متى تكون الغيرة مفيدة في العلاقات؟

للغيرة جانب مشرق إن كانت بقدرها، وفيما يلي بعض الفوائد التي تعود على العلاقة بالإيجاب نتيجة لهذه المشاعر:[١]


1- فتح قنوات تواصل جديدة بين الشريكين

إنّ أخذ مشاعر الغيرة على محمل من الجدية والمرونة يفتح بين الطرفين قنوات اتصال جديدة يستمعان بها إلى بعضهما البعض، فيفهم أحدهما مخاوف الآخر، وما يشعر به من انعدام للأمان في الوقت الحالي، وما إن كان ما يشعر به الآن له علاقة بصدمة كان قد تعرّض لها في الماضي مثل الخيانة، أو الكذب وهو ما يحاول تجنّبه حالياً أم لا، فيرد عليه بالمقابل بما يطمئنه، ويشعره بأهميته وتقديره في هذه العلاقة، ويبعد عنه مثل هذه الهواجس السلبية، وكل هذا يمكن للشريكين معرفته عند شعور أحدهما بالغيرة وتفهم الآخر.


2- رسم حدود العلاقة وتوقعاتها

يفيد التعرض للغيرة في الحديث حول العلاقة نفسها، وتقييمها بشكل عام، وبناء هيكل من التوقعات التي ينتظرها الشريك من الآخر، والممنوعات أو غير المرغوبات التي يفضّل أن يتجنّبها، والأمور الأساسية التي يمكن أن تدمّر العلاقة بالنسبة له، مما يدفع كل شريك منهما لأخذ ما سبق بعين الاعتبار والسير نحو علاقة صحية وسليمة، وهو ما يحدّ من وقوع الخلافات المستقبلية بين الطرفين.


3- زيادة حب الشريكين لبعضهما

يدعو شعورنا بغيرة الشريك تجاهنا لإشعال فتيل الحب بهذه الشرارة مجدداً، لا سيما مع تكاثر المسؤوليات الحياتية التي قد تنسينا التعبير عن حبّنا على مدار فترات، لذا يعتبر الشعور بالغيرة بالنسبة للشخص الغيور بمثابة جرس إنذار يلفته لمدى حبّه لشريكه عند رؤيته يتفاعل مع أحد الأشخاص بطريقة غير اعتيادية، كما يشكّل شرارة حب جديدة تشتعل في قلب الشريك عندما يدرك أن الطرف الآخر ما زال يغار عليه ويهتم لأمره، إذ أنّ هذا لا يحدث فعلياً إلّا إن كان شريكه لا يزال واقعاً في حبه.


كيف تكون غيرتك صحية؟

لتكون غيرتك صحية وبعيدة عن أي استجابة غير حكيمة تضرّ في العلاقة راعِ الآتي:[٢]

الإقرار بالغيرة

تأتي خطوة الإقرار بالغيرة كخطوة أولى لتجاوز هذه النوبة من المشاعر الإنسانية، فإدراكك لشعورك بالغيرة في موقف ما بشكل صادق وصريح مع نفسك سيجعلك أهلاً للسيطرة عليها في الخطوة القادمة، وعدم تركها تخرج عن نطاق إرادتك وانفعالاتك.


تحليل غيرتك

عند شعورك بالغيرة فكّر فيما تشعر فيه جيداً، أتراها غيرة طبيعية حدثت بسبب موقف ما رأيت فيه الشريك يتفاعل مع أحدهم بطريقة أثارت تحفظك؟، أم أن جذورها ضاربة في الماضي، وما هي سوى انعكاس لخوفك من التعرض لصدمة عاطفية جديدة ومشاعر مؤلمة تعرضت لها سابقاً؟ إذ إنّ من الصحي عدم المبالغة في ربط الماضي بالحاضر بشكل يحاصر شريكك، وينغّص عليك عيش علاقة طبيعية وآمنة من جديد.


تحمّل مسؤولية غيرتك

ابنِ في نفسك مسؤولية مواجهة غيرتك، وتقبّل أن سلوك شريكك -على الأغلب- ليس هو المشكلة، إنّما تكمن المشكلة فيما يسيطر على عقلك من أفكار قد يكون منبعها الماضي، أو الخوف من مستقبل خال من هذا الشريك، لذا لا تحمّل الشريك مسؤولية غيرتك وخيالاتك.


مواجهة الشريك بغيرتك

إنّ وضع جميع المشاعر والعواطف التي يشعر بها الطرفان على طاولة الحوار دوماً، ومكاشفة الطرف الآخر بما يدور في خلدك هي أنجح الطرق في تحقيق تواصل صادق، يهدف إلى معرفة الطريقة التي يمكن لشريكك أن يساعدك فيها لتخليصك من المشاعر السلبية، والتعامل مع الموقف بوضوح.


علامات الغيرة غير الصحية

للغيرة غير الصحية علامات عليك تجنّبها، وهي كالآتي:

توجيه الاتهامات الدائمة للشريك

هناك فرق كبير بين الغيرة على الشريك والشك في وفائه وإخلاصه في العلاقة، وإن من علامات الغيرة غير الصحية توجيه الشبهات والتهم غير المبررة للشريك بدون سبب وجيه، كالحكم عليه بالخيانة لمجرد تأخره لبعض الوقت عن المنزل مثلا!.


الرغبة في السيطرة على الشريك

عندما تتملك مشاعر الغيرة شخصاً ما، فإنها تدفعه لتملك الشريك رويداً رويداً وكأنه حاجة من حاجياته، فتجعله يقبل على التحكّم في كل سلوكياته، وتحركاته، حتى يصل به الأمر لمنعه أو السماح له بالخروج من المنزل، أو الذهاب إلى المناسبات الاجتماعية، أو لقاءات الأصدقاء وغيرها.


الاستجواب المفرط

عندما يبدأ أحد الطرفين بالنظر إلى العلاقة على أنها غرفة تحقيق، وللشريك بأنه محقق يمتلك عشرات الأسئلة اللانهائية تأكد بأنهما في علاقة غير صحية، وبأنّ غيرة أحد الطرفين على الآخر غيرة مفرطة سببها قلة الثقة فيه لا غير.


التصرفات العدوانية تجاه الشريك

قد تدعو الغيرة غير الصحية بعض الشركاء للحط من قدر شركائهم، وتقليل ثقتهم بأنفسهم، أو تعريضهم لتعليقات ساخرة ومحرجة أمام الغير، فكل ما سبق آلية يستخدمها الشخص الذي يشعر بمشاعر الغيرة للتعبير عن غيرته عوضا عن التعامل مع هذه المشاعر بشكل مباشر وصحي كما سبق آنفاً.


الرغبة في التملك

يحاول الأشخاص الذين يشعرون بالغيرة المفرطة، أو الغيرة غير الصحية عزلك عن محيطك وأصدقائك تدريجياً بشكل غير مباشر، وذلك حينما تقرر اختصار العديد من المناسبات واللقاءات رغبة في اختصار ما يحدث بعدها من مشاحنات ناتجة عن غيرة الشريك، أو بشكل مباشر نتيجة تحكّمه في سلوكاتك، وخططك، ووقتك.


انتهاك خصوصية أحد الأطراف

قد يتحجج أحد الأطراف برغبته في الحصول على علاقة مريحة ومفتوحة للوصول إلى حسابات الطرف الآخر على مواقع التواصل الاجتماعي، ورسائله النصية، والعبث في بريده الإلكتروني، أو في معرض الصور خاصته، بينما تكمن الغيرة المفرطة وراء هذا كله.


الاكتئاب وإيذاء النفس

يدخل بعض الشركاء في نوبات من الاكتئاب نتيجة لمعاناتهم مشاعر الغيرة غير الصحية، وشعورهم بعدم الأمان مع الشريك، مما يدفع جزءاً منهم لإيذاء النفس أو إيذاء الآخر.


ملخّص المقال

يرى البعض الغيرة على أنها ظاهرة غير صحية قد تصيب أي علاقة في الصميم، بينما هي سلاح ذو حدين يعتمد على طريقة تعامل كل من الطرفين معها، إذ يمكن أن تكون هذه الغيرة غيرة صحية تزيد من عمق المشاعر بينهما، وتفتح قنوات جديدة للتواصل، وتساعدهما في رسم حدود علاقتهما المستقبلية في إطار من الوضوح، وتفهّم الآخر، وهي بذلك تعاكس الغيرة غير الصحية التي تتمثل بإيذاء الشريك بالتشكيك فيه والطعن في صدقه، والرغبة في السيطرة عليه، وتملكه تماماً عن طريق عزله عن الآخرين، وانتهاك خصوصيته بغير وجه حق مما يمكن أن يوصله لمراحل متقدمة من الاكتئاب وإيذاء النفس.

المراجع

  1. "Is Jealousy Healthy in a Relationship?", growingself, Retrieved 23/8/2023. Edited.
  2. "Is Jealousy Healthy In a Relationship?", thecouplescenter, Retrieved 23/8/2023. Edited.