الأسرة هي الركن الرئيسي واللبنة الأولى في بناء المجتمع، ففي ظلالها ينشأ الأفراد، وتتكون شخصيتهم من خلال اهتمامها بالجوانب الروحية، والعقلية، والوجدانية، والأخلاقية، والاجتماعية لأفرادها، والتي تحقق توازن الأسرة وتماسك بنيانها، إلا أن هذه منظومة الأسرة تتأثر بالعديد من العوامل الاجتماعية سلباً وإيجاباً؛ كالطبقة الاجتماعية، والمستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والتعليمي للوالدين.[١]


العوامل التي تؤثر على نظام الأسرة

هناك العديد من العوامل التي تؤثر على نظام الأسرة، وسنذكر هنا أهم أربعة عوامل اتفق عليها جمع كبير من الباحثين الاجتماعيين:[٢]


الطبقة الاجتماعية

والتي تعرف بأنها؛ مجموعة من الناس يعيشون أوضاعاً متشابهة من حيث المهنة، والدخل، والمكانة الاجتماعية، حيث تنقسم ثقافة المجتمع العامة إلى ثقافات فرعية بناء على الانتماء الطبقي، ففي التقسيم التقليدي ينقسم المجتمع إلى ثلاث طبقات رئيسية؛ الطبقة الفقيرة، والطبقة المتوسطة، والطبقة الغنية، وهذا التقسيم الطبقي يؤثر على نمط الأفكار والقيم الاجتماعية، والسلوكيات التي تعلم للناشئة، فعادة ما تكون أساليب التنشئة الاجتماعية عند أبناء الطبقة الفقيرة تختلف عن أساليب أبناء الطبقة المتوسطة والعليا، فالطبقة الفقيرة تغلب عليها الأساليب السلبية كالعقاب الجسدي والنفسي، والإهمال، أما الطبقة الوسطى، فإن أكثر الأساليب استخداماً الأساليب الإيجابية، وفي مقدمتها منح الثقة بالنفس والتسامح.


حجم الأسرة

كلما زاد عدد أفراد الأسرة تتعقد العلاقات الأسرية، وتضعف قدرة الوالدين على ضبط الأمور، فيلجؤون إلى الأساليب السلبية؛ كالقسوة، والتسلط، والإهمال، وقد يتواجد نوع من الصراع بين الأخوة، أو بين الأبناء ووالديهم، ويختلف الأمر إذا كان عدد الأفراد قليلاً، حيث تكون العلاقات الأسرية قوية، ويسودها الحوار، ويستطيع الوالدان إشباع حاجات الأبناء المختلفة.


المستوى الاقتصادي والاجتماعي

ينعكس دور المستويان الاقتصادي والاجتماعي على أسلوب التنشئة الاجتماعية، فلذلك يختلف سلوك الأبناء من أسرة إلى أخرى، وحسب الطبقة الاجتماعية، وكذلك طريقة نشأة الأبناء في البادية التي تختلف عن الريف والحضر.


المستوى التعليمي

يلعب المستوى التعليمي للوالدين دوراً أساسياً في طريقة النشأة الاجتماعية، فالوالدان المحرومان من التعليم قد يتبعان أسلوب الشدة والقسوة، أو الإهمال واللامبالاة، في حين تكون طريقة تعامل الوالدين المتعلمين مع أولادهما وإشباع حاجاتهم مختلفة.


عوامل أخرى تؤثر في النظام الأسري

بالإضافة إلى العوامل سابقة الذكر، هنالك أيضاً العديد من العوامل التي تؤثر في النظام الأسري، منها ما يلي:[٣]

  • شخصية الوالدين: يؤثر الاتزان الانفعالي للوالدين وتقبلهم لذواتهم وتوافقهم على الحياة الأسرية بشكل خاص وعلى اتجاهاتهم نحو أبنائهم.
  • توافق الوالدين داخل الأسرة: إذ إن الرابطة القوية بين الوالدين على جانب كبير من الأهمية في خلق جوّ من الود والمحبة والطمأنينة الملائم للنمو السوي للأبناء.
  • سن الوالدين: حيث إن لسنّ الوالدين دور كبير في أسلوب التنشئة، فكلما زاد الفارق الزمني بين الآباء والأبناء ازدادت فرصة الوصول إلى أساليب تنشئة غير سوية.
  • العلاقة بين الوالدين والطفل: تعتبر العلاقة الإيجابية الصحية بين الوالدين والطفل من العوامل المهمة في التنشئة الاجتماعية للطفل، وتكوين شخصيته، ونموه النفسي، والاجتماعي، وأسلوب تكيّفه.
  • النوع الاجتماعي للأبناء (ذكور، إناث): حيث تتأثر التنشئة الأسرية بنوع الطفل، إذ يميل الآباء والأمهات إلى التسامح والديمقراطية مع أبنائهم الذكور مقارنة مع الإناث، ويلجأ الوالدان إلى استخدام الضبط واتباع الأوامر مع الإناث.
  • ترتيب الطفل: حيث إن ترتيب الطفل في الأسرة يجعل له بيئة سيكولوجية مختلفة عن بيئة الطفل الآخر، فتفاعل الأم مع الطفل الأول ليس كتفاعلها مع الأوسط، وليس كتفاعلها مع الطفل الأخير، كذلك الطفل الوحيد له بيئة سيكولوجية تختلف عن بيئة الآخرين ذوي الأشقاء، كما أن للطفل الذكر بين مجموعة من الأخوات الإناث، والأنثى بين مجموعة من الإخوة الذكور وضعاً خاص ومميزاً.
  • العلاقة بين الإخوة: ويقصد بها الأساليب السلوكية المتبادلة بين الأخوة أثناء تفاعلهم في المواقف الحياتية المختلفة، وهذه العلاقة لها دور مهم في نمو شخصية الطفل.
  • القيم الدينية والأخلاقية للأسرة: إذ تميل الأسرة المحافظة والمتدينة إلى ترسيخ قيم الالتزام الأخلاقي والانتماء الحضاري والتدين في نفوس الأبناء.


التأثيرات الإيجابية على نظام الأسرة

هناك العديد من التأثيرات الإيجابية على نظام الأسرة، نذكر منها التالي:[٤]

  • الاستقلال: يعد دعم أسلوب الاستقلال هاماً في بناء شخصية سوية؛ وذلك لأنه يعطي الطفل القدرة على اتخاذ القرارات الخاصة به، والجرأة في التعبير عن رأيه، ومواجهة المواقف الاجتماعية دون خوف.
  • التسامح: يعتبر منح الطفل قدراً من الحرية في اتخاذ قراراته مصحوبة بشيء من التوجيه والإرشاد مهماً، وذلك حتى يستطيع مواجهة مشكلات الحياة، وحتى يشعر بمكانته الاجتماعية في الأسرة، ويسهم في بناء شخصية متسامحة بعيدة عن التشرد.
  • مساعدة الطفل على تقبل وفهم ذاته: كتقبله لجنسه، وملامح وجهه، ولون بشرته، ونحافته أو سمنته، وطريقة نطقه للكلام، ولا يعيرانه بصفاته، بل يشجعانه مع الأخذ بالحسبان أن يكون التشجيع موضوعياً بعيداً عن المبالغة التي تصل حدّ الكذب.
  • الأخذ بزمام المبادرة: يجب تشجيع الطفل على الأخذ بزمام المبادرة إذا لمسنا لديه الدافع الذاتي لتطوير مهاراته.
  • التوجيه عن طريق الثواب والعقاب: وتكمن أهميته في تعليم الطفل السلوك الجيد ودفعه إليه، وتجنيبه السلوك الخاطئ ودفعه عنه.
  • تكوين القيم الاجتماعية: غرس القيم الاجتماعية والدينية كالعدل، والمساواة، والحرية، والكرم في نفوس الأطفال حتى يشبوا عليها.
  • الاتزان في معاملة الأبناء: وذلك لبناء شخصية سوية قادرة على التكيف الاجتماعي، فلا أن يكون الأب حازماً شديداً، ولا أن تكون الأم لينة رقيقة، ويجب معاملة الأبناء بالتساوي وعدم التفرقة بينهم.
  • الديمقراطية: إذ يجب إعطاء الأبناء مساحة من الحرية للتعبير عن آرائهم واتخاذ القرارات الخاصة بهم، فهذا يجعل الابن يشعر بالثقة في نفسه، ويصبح أكثر قدرة على تحمل المسؤولية.


التأثيرات السلبية على نظام الأسرة

هناك العديد من التأثيرات السلبية على نظام الأسرة، نذكر منها التالي:[٤]

  • التسلط: وهو أن يتبع الآباء أسلوب التسلط والوعد والوعيد مع الأبناء؛ وذلك لأنه غالباً ما ينتمي الآباء المتسلطون إلى بيئة متسلطة تمارس العنف والإكراه في العملية التربوية، وهم تحت تأثير هذه التربية.
  • الحماية الزائدة: والتي يقوم فيها أحد الأبوين أو كلاهما بالأعمال التي يفترض أن يقوم بها الابن وحده، وحرمانه من حرية التصرف في كثير من الأمور البسيطة، والتدخل في كل شؤون حياته.
  • الإهمال: كأن يهمل الوالدان أو أحدهما الطفل، وكأنه ليس ابناً لهما، وعدم منحه القدر الكافي من الرعاية، مما يجعله يفقد حاجة أساسية وهي الشعور بالأمن.
  • التدليل: ويعتبر هذا الأسلوب على النقيض تماماً من التسلط، حيث يكون الوالدان متساهلين، ومتهاونين، ومتراخيين في معاملة الأبناء، ويترتب على ذلك شعور الطفل بالغرور، وكثرة طلباته، وأن يصبح الطفل متواكلاً، وتنمو لديه نزعة الأنانية.
  • الإيذاء النفسي: ويتمثل بكل سلوك أو تصرف من الوالدين يترك أثراً سيئاً في نفس الطفل؛ كالإهانة، والتخويف، والحبس، والحرمان من العاطفة، ويترتب عليه فقدان الثقة في النفس، والشعور بالذنب، والتفاعل السلبي في المواقف الاجتماعية.
  • العقاب: يلجأ الوالدان إلى هذا الأسلوب؛ لأنهما غير راضين عن نفسيهما وتصرفاتهما، أو لتعرضهما لمثل هذه التجربة في صغرهما، وقد بينت الأبحاث العلمية أن استخدام الأب للعقاب أو التهديد له تأثير سلبي على الأسلوب المعرفي عند الأبناء.
  • التمييز أو التفرقة: والذي قد يكون حسب النوع أو الترتيب في الأسرة، فالمولود الأول يحظى بالرعاية الكاملة، ويكون محط اهتمام الوالدين، ومع مجيء الطفل الثاني تنصرف الأنظار إليه كلياً، فيشعر الطفل الأول بالحقد والكراهية تجاه أخيه لاهتمامهم به.


طرق تحسين النظام الأسري

هناك العديد من الطرق التربوية التي تساهم في تحسين النظام الأسري، نذكر منها ما يلي:[٥]

  • تعويد الطفل على العادات الحسنة: لا بد للأبوين أن يغرسا في نفس الطفل العادات الحسنة التي توجد فيه الشخصية القوية المتماسكة؛ كالصمود أمام الأزمات والشدائد، والتعود على حلّ مشاكل حياته حلًّا إيجابياً يقوم على المنطق.
  • القدوة الحسنة: يمكن للوالدين ترك الانطباعات الإيجابية لدى أبنائهم من خلال سلوكهم الإيجابي، حيث يستطيع الأب إيصال القيمة الإيجابية التي يريد إيصالها للأبناء بكونه مثالاً طيباً لهم.[٦]
  • الابتعاد عن القسوة: أكد علماء النفس بضرورة الابتعاد عن القسوة والعنف في تربية الأبناء؛ وذلك لأنها تعود بالأضرار البالغة عليهم، حيث تحرم القسوة الطفل من حقه الطبيعي في الحب والعطف، ويفقد نتيجة لذلك أمرين مهمين هما؛ الاتزان العقلي، والهدوء العاطفي، حيث تعد أفضل وسيلة لتربية الطفل هي التربية المهذبة الهادئة التي تحسن صحته الجسمية والعقلية.
  • الابتعاد عن الليونة: حيث إنها لا تقل خطراً عن القسوة، فغض الطرف عما يرتكبه الطفل من أخطاء تعوده على الانغماس فيها دوماً.
  • غرس الدين في نفس الطفل: يعد الدين هو المنبع الأصيل للفضائل النفسية، والمقياس الصحيح للسلوك الإنساني الرفيع.
  • تغذيته بالعطف والحنان: على الأبوين أن يشيعا في نفس الطفل الحنان، ويغذياه بالمحبة التي لا إفراط فيها.
  • تعويده على الاستقلال: لا بد للأبوين أن يعودا الطفل على الاستقلال الشخصي، وأن يتولى رعاية شؤونه بنفسه.
  • المساواة بين الأبناء: تعتبر المساواة من عناصر التربية الناجحة، فلا يجوز للأبوين التمييز بين أبنائهما، إذ يؤدي ذلك إلى شيوع الكراهية فيما بينهم.
  • التشجيع والتقدير: يعد التعبير عن التقدير والتشجيع من قبل الوالدين لأبنائهما عند ال فعلاًتصرف الحسن من أفضل الطرق في تقوية العلاقة الأسرية وإظهار الاهتمام بهم ودعمهم.[٧]


المراجع

  1. رائد جميل عكاشة، منذر عرفات زيتون، الأسرة المسلمة في ظل التغيرات المعاصرة، صفحة 27. بتصرّف.
  2. الأستاذ بسام محمد أبو عليان، الحياة الأسرية، صفحة 111-113. بتصرّف.
  3. محمد بن ناصر بن سعيد الصوافي ، التنشئة الأسرية ؛ المجتمع العماني أنموذجاً، صفحة 4-11. بتصرّف.
  4. ^ أ ب
  5. باقر شريف القرشي، نظام الأسرة في الإسلام دراسة مقارنة، صفحة 135-140. بتصرّف.
  6. "Improving family relationships with emotional intelligence ", Help guide, 11/2020, Retrieved 8/8/2021. Edited.
  7. Carrie duford (29/4/2016), "5 ways to build support system among family members ", Intermountain health care , Retrieved 8/8/2021. Edited.